لأوّلِ مرّةٍ منذُ عامِ 2016.. الليرةُ السوريةُ تهبطُ إلى سعرٍ حادٍ والنظامُ يعتبرُ ذلكَ أمراً وهمياً
على الرغم من وعود مسؤولو نظام الأسد بقرْبِ تحسّن سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار عقبَ سيطرتهم العسكرية على مدينة خان شيخون جنوب إدلب وعلى في ريف حماة الشمالي، إلا إنه يبدو أنّ النظام قد فَقدَ زمامَ السيطرة حيث وصل سعرُ صرفِ الدولار إلى عتبة الـ 630 ليرة في العاصمة دمشق مقابل الليرة السورية.
حيث أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي تنهار فيها الليرة السورية إلى هذا الحدّ، فقد وصل سعرُ صرف الدولار إلى 645 ليرة سورية لأيام معدودة في العام 2016، إلا أنّه عاد بعد شهورٍ إلى حدود سعر صرف المركزي الرسمي التابع للنظام، محافظاً على استقرار نسبي حتى منتصف العام 2018، عندما بدأت مسيرةُ الانحدار من جديد.
ويبدو الانخفاض المتواصل منذ عام تقريباً هو الأكثر ثباتاً وامتداداً، لارتباطه بشكلٍ واضح بارتفاع أسعار الكهرباء والمشتقات النفطية التي تضخّمت بحدود 12 ضعفاً وفق أسعار التقنين، هذا بالإضافة إلى امتناع المصرف المركزي التابع للنظام عن التدخّل بحجّة حقّ المواطن في دولار الاستيراد وعدم هدرِه في عمليات المضاربة، كما فعل حاكما المصرف السابقان.
ورغم ارتفاعِ سعر الصرف إلى هذه الحدود، إلا أنّ السعر الرسمي للدولار وفق المركزي ما زال عند 435 ليرة، وهو الرقم المعتمد لصرفِ الحوالاتِ الواردة للمواطنين من الخارج، ما يجعل خسارة الحوالة تصل إلى 30% من قيمتها الأصلية بواقع 195 ليرة من كلّ دولار.
حيث أنّ ذلك كان سببَ امتناعِ كثيرين في الخارج عن تحويل أموالهم عبر الشبكات الرسمية، ما أفقد النظام 90% من وارداته من القطع الأجنبي عبر الحوالات، وساهم ذلك بشحٍ إضافي لواردات الخزينة من العملة الصعبة، وفاقم أزمةَ النظام لاعتماده على الحوالات كأحدِ المصادر الرئيسة للحصول على القطع الأجنبي في ظلّ إنفاق حربي مستمر وانهيار العائدات الأخرى، ما استدعى طلباً متزايداً على شراء الدولار وانهيار العملة السورية بسرعة.
بينما أكّد حاكمُ المصرف المركزي التابع للنظام “حازم قرفول”: أنّ “ارتفاع سعر صرف الدولار هو أمرٌ وهمي تماماً”، حيث تشهد الأسواق السورية موجةَ غلاءٍ غيرِ مسبوقة لكلِّ المنتجات والسلع المحلية والمستوردة، كما تشهد في الوقت ذاتهِ حالة من الفوضى والجمود في تعاملات التجار تجلّت بالتوجه إلى استجرار طلبيات صغيرة ومحدودة، أو حتى الامتناع عن الشراء حالياً خشية تقلبات الأسعار.
كما ساد الجمودُ أسواق الذهب بشكلٍ كبير لتصل المبيعات إلى حدود 10% من مستواها المعتاد، في الوقت الذي وصل فيه غرام الذهب 21 قيراطاً إلى حدود 26 ألف ليرة سورية.
وعلى الصعيد الشعبي يبدو الأمر أكثر كارثية، إذ تواصل الأسعار ارتفاعها وسط انخفاض القدرة الشرائية لمتوسط الأجور البالغ بحدود 40 ألف ليرة سورية شهرياً، والذي كان يعادل منذ عامين 90 دولار فيما لا تتجاوز قيمته الحالية 60 دولاراً.
يذكر أنّ آخر زيادة للرواتب في سوريا صدرت عام 2014، ومنذ ذلك الحين قدّم النظامُ الكثير من الوعود برفعها وتحسين مستوى المعيشة، ولكنه لم يستطعْ الوفاءَ بها رغم التضخم المستمر، مبرّراً الأمور بالأولويات وتحسين البنية التحتية والقطاع الإنتاجي وضخامة الدعم الحكومي المقدّم للخبز، وأخيراً بسبب العقوبات وما ينشأ عنها من حصارٍ اقتصادي.
ومن المرجح أنّ تواصل الليرة السورية انهيارها، وحتى لو استطاع النظام إيقافَ هذا التدهور لفترة محدودة بألاعيبه وسياساتهِ الأمنية، أو محاولاتِه لتحفيز الاستثمار وتشجيعه وفق قانون الاستثمار المنتظر، إلا أنّ عوامل الانهيار المالي والاقتصادي مستمرةٌ ومتزايدةٌ مع بقاء النظام ولا يمكن تفاديها.