سرقةٌ ملياراتِ الليراتِ وتحويلُ مستشفياتِ نظامِ الأسدِ إلى مستودعاتٍ للأجهزةِ الطبيةِ المستعملةِ

كشفت مصادر إعلامية عن عمليات فساد كبيرة يقوم بها وكلاء شركات عالمية مختصّة بالمعدّات الطبية, يستوردونها لصالح المستشفيات التابعة لنظام الأسد, كتزوير أختام ومخالفات في شهادات منشأ استيراد الأجهزة الطبية للتخفّي بعمليات تهرب ضريبي كبير للقطاع الصحي.

وأفادت “وكالة أنباء أسيا” أنّها حصلت على وثائق تشير إلى خلل كبير في استيراد الأجهزة الطبية التي تدخل إلى المستشفيات الوطنية التابعة لوزارة الصحة أو وزارة التعليم العالي في حكومة نظام الأسد, معتبرة أنّ ما تمّ الكشف عنه من معلومات هو عبارة عن “جزء بسيط من جبل الجليد”.

وبحسب الوكالة اللبنانية أنّ الوثائق التي حصلت عليها تتضمن مجموعة من الأخطاء والتهرب الضريبي وتزوير أختام ومخالفات في شهادات المنشأ وإجازات الاستيراد والفواتير، يقوم بها عدّة وكلاء لشركات عالمية للمعدات الطبية ومستلزماتها ومنها شركة “الفيصلية” وكيل شركة “فيليبس” الهولندية، وشركة “جودكس” وكيل شركة “فوجي فيلم” اليابانية، وعدّة وكلاء آخرين، مقدّرة مجموع قيمة غراماتهم أكثر من 10 مليارات ليرة سورية فقط لا غير.

ويظهر من الوثائق أنّ سلسلة الأخطاء أو حلقة “الفساد” تبدأ من مديرية المستلزمات الطبية في وزارة الصحة في حكومة نظام الأسد، والتي تعطي الموافقات وتصادق على الأوراق والفواتير المزورة للشركات رغم الخلل أو النقص في أوراقها وعقودها مثل إدخال الأجهزة عبْرَ الحدود دون استكمال كامل الموافقات من إجازة الاستيراد أو أختام وزارة الخارجية، بالإضافة إلى إعطاء موافقات لإدخال أجهزة بفواتير دون التأكد من وجود إجازة استيراد نظامية.

وأشارت الوكالة إلى أنّ الأمر الأخطر من كلِّ ذلك هو القفز على أحد أهم شروط الاستيراد لدى نظام الأسد، وهو وجود فاتورة صادرة عن الشركة الصانعة، إلا أنّ فواتير مقدّمة من شركة “الفيصلية” حصلت عليها “وكالة أسيا” مزوّرة بشكل واضح، أي غير صادرة عن الشركات المصنعة، ذلك أنّ الوكيل قام بتزوير فواتير الأجهزة الطبية التي تبلغ أسعارها ملايين الدولارات من أجل تخفيض قيمة الضريبة الجمركية على الحدود.

وأضافت الوكالة أنّ باقي الوكلاء يعملون على نفس المنوال، حيث وقعَ أحد المزورين بخطأ مطبعي فاضح في أحد الفواتير عند كتابة اسم الشركة المصنعة، فكتبها بشكلٍ خاطئ بالإضافة إلى أنّ الفواتير مزوّرة ومخفضة إلى ما يعادل 20% من قيمتها الحقيقية، بالإضافة إلى كون فواتيره مزوّرة الأختام.

وقالت إنّ معظم الأختام التي ختمت بها الفواتير المزوّرة هي مجرد كلمة مطبوعة باللغة الإنكليزية لشركة “PHILIPS” أو “FUJIFILM” وهو أمر غير ممكن أنْ يكون صادراً عن الشركة الأم (الشركة المصنعة)، فمن البديهي أنّ الشركات العالمية لا تقبل بإصدار فواتير لمعداتها بأسعار أقلّ من قيمتها الحقيقية بـ 10 أضعاف .

وتكشف الوثائق أنّ شركة “جودكس” وكيل شركة “فوجي فيلم” اليابانية قد قدّمت فواتير صادرة عن مكتبها في بيروت وليس من الشركة الصانعة بأسعار أقلّ من عشر الرقم الحقيقي.

وتظهر الوثائق التي حصلت عليها “وكالة أنباء آسيا” أنّه بين عامي 2019 و2020 لا يوجد أيّ فاتورة لشركة “جودكس” صادرة عن الشركات المنتجة للأجهزة الطبية المسجلة في مديرية المستلزمات الطبية في وزارة الصحة بحكومة نظام الأسد.

ونوّهت الوكالة إلى أنّه من المعروف لاكتمال أيّ عملية تهرب ضريبي لابدّ من استخدام أشخاص وهميين بهدف إدخال المواد تحت أسمائهم، وكشفت أنّ الاسم الأكثر تداولاً في عقود المعدات الطبية هو السيد مازن الزعيم واسمه الثلاثي غير معروف، لكن يتكرّر الاسم مع أكثر من وكيل لدرجة أنّه خلال عدّة أشهر تواجد اسمه على نحو 35 فاتورة لأكثر من 20 وكيلاً، كما يتغيّر عنوانه في كلّ فاتورة بحسب عنوان الشركة التي تستخدمه لإدخال المعدّات.

كما تمّ استعمال اسم مازن الزعيم مع وكلاء مسجلين في مديرية المستلزمات الطبية عبْرَ ورقة تفويض موقّعة من الوكيل وموجّهة للمديرية تثبت أنّهم لا يمانعون تخليص البضاعة لصالح الزعيم، الذي تبيّن أنّ معظم فواتيره مزوّرة ومخفضة القيمة, متسائلة, “من هو الزعيم؟ وكيف يمكن محاسبته؟ وكم من “زعيم” يوجد في هذه القضية وفي قضايا مشابهة تقضم أموال السوريين”.

ونقلت الوكالة عن مصدر في الجمارك قوله, إنّ “مجمل التجهيزات المقدّمة لثلاث شركات خلال فترة 2019-2020، بالإضافة إلى جميع الفواتير هي بالاسم الوهمي ومخفّضة إلى أقلّ من عشر القيمة الحقيقية، وهو ما يعني خسارة الخزينة أكثر من 90% من أموال البنود الجمركية لصالح التجار والفاسدين” مشيراً إلى أنّ “غرامة التهرب الجمركي في ملفات هذه الشركات تتجاوز 10 مليارات ليرة سورية”.

ويبدو الحديث في ملفّ التهرب الضريبي في مناطق سيطرة نظام الأسد, كالغوص في الرمال، بسبب القوانين القديمة والسياسات الضريبية التي تلامسها التصريحات الحكومية من دون أنْ تغيّرها على مرّ السنوات، وهو ملفٌّ مهمّ لأنّه يؤثر على كلّ قطاعات الحياة, بالإضافة لتأثيره على الاقتصاد بسبب المبالغ الهائلة التي تفقد لصالح كبار المتنفّذين والتجار من المتهربين ومنهم وكلاء شركات عالمية يتجاوزون القوانين ويخترقونها، ويقومون باستغلال أسماء موكليهم وتزوير فواتير شركاتهم وأختامها بهدف تغيير أسعار منتجاتها قبل دخولها عبْرَ المنافذ الحدودية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى