صحيفةٌ: هل تكونُ الباديةُ مفتاحاً لتعاونِ واشنطنَ مع نظامِ الأسدِ؟

صحيفةٌ: هل تكونُ الباديةُ مفتاحاً لتعاونِ واشنطنَ مع نظامِ الأسدِ؟

شكّل الكمينُ الذي تعرّضت له قافلةُ عناصر “الفرقة الرابعة” من قوات الأسد، قبلَ أيام قليلة، تعبيراً عن تحولٍ نوعي في شكل الصراع الدائر في منطقة البادية السورية، التي تزيد مساحتُها عن ثلث مساحة سوريا، وتشهد مواجهات متقطّعة بين قوات الأسد ومقاتلي تنظيم “داعش”.

الحادثة التي أودتْ بحياة أكثرَ من ثلاثين عنصراً من قوات الأسد، إلى جانب العشرات من الجرحى، أثبتتْ سمتين رئيسيتين غيرَ متوقعتين لعناصر “داعش” في تلك المنطقة, فالمنطقة التي جرتْ فيها الحادثة لم تكن تبعد أكثرَ من خمسين كيلومتراً جنوبَ مدينة دير الزور التي لم يفقدْ نظام الأسد السيطرة العسكرية الكلية عليها في أيِّ وقت من قبلُ, أي إنّها أثبتت قدرةَ التنظيم على تنفيذ العمليات العسكرية حتى في المناطق القريبة من مراكز المدن التي يسيطر عليها النظام، وليس فقط في أواسط الصحارى المحيطةِ بالمنطقة الجبلية حول مدينة تدمر.

كذلك أثبتتْ الحادثة عودةَ القدرات اللوجستية لـ”داعش”, في المراقبة والمتابعة وتشييد الكمائن, فقافلة عناصر قوات الأسد كانت قد انطلقت من مدينة دير الزور قبلَ أقلِّ من ساعة، لكنَّ الكمين تمَّ إعدادُه لأيام، وثمّة تعاونٌ وتنسيق بين شبكات التنظيم في أكثرَ من منطقة ومستوى، بحسب ما نقلت صحيفة “النهار العربي” عن مصدر عسكري.

منطقة “بادية الشولا” التي جرتْ فيها الحادثة كانت قد تعرّضتْ قبلَ أيام قليلة من تلك الحادثة لكمين آخرَ أودى بحياة أعداد قريبة من ضحايا الكمين الآخر، ما يدلُّ على أنَّ قوات الأسد لا تملك حلولاً إسعافية وناجعةً لتحدّي نشاطات التنظيم في تلك المنطقة.

ويُعيد المحلّلون ذلك إلى خصوصية تلك المنطقة، المحاطة بثلاثِ بؤرٍ جغرافية لا تزال تحت سيطرة تنظيم “داعش” هناك،

منطقتها

شرقية في التلال الصحراوية، وأخرى جنوبية غربية، بين بادية الشولا وبلدة السخنة، التي تُعتبر أكبر المناطق السورية التي لا تزال تحت سيطرة التنظيم، وتبلغ مساحتُها قرابةَ ألفَ كيلومترٍ مربّع.

الأرقام التي نقلها “المرصد السوري لحقوق الإنسان” عن حصيلة المعارك بين الجانبين طوالَ العام الحالي أكّدت التحدّي الصعب الذي يُمكن لقوات الأسد أنْ تواجهَهُ في المستقبل المنظور.

إذ أشار إلى أنَّ مجموع قتلى قوات الأسد قارب الألف عسكري وعنصر من الميليشيات الرديفة، إلى جانب نحو 150 من عناصر ميليشيات الاحتلال الإيراني، المنتشرينَ في المدن والبلدات على طولِ نهر الفرات، وصولاً الى الحدود السورية العراقية, ولم يخسرْ “داعش” إلا أقلَّ من نصفِ مجموع ذلك العدد، الأمرُ الذي يدلُّ على قدراته في تلك المنطقة.

خاضت قوات الأسد حملاتِ تمشيط بريّة في منطقة البادية السورية طوال هذا العام، وبتغطيةٍ جويّةٍ متواصلة من طيران الاحتلال الروسي، لكنّها لم تتمكّن من تحقيق هيمنةٍ تامة على تلك المنطقة، فقد بقيتْ سيطرتها مقتصرةً على مراكز المدن والبلدات في البادية، التي لا تزيد عن عشرة.

والمُلاحظ في الحدث الأخير كان إشارة وسائل الإعلام التابعة لنظام الأسد إلى “دور أميركي” داعمٍ لتنظيم “داعش” في تلك المنطقة! إذ قالت وكالة “سانا” الرسمية في تعليقِها على الحادثة, “في بعض مناطق البادية خلايا إرهابية، من بقايا تنظيم داعش الإرهابي”، زاعمةً أنّهم يتمركزون في “قاعدة التنف” الحدودية، في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، حيث تتمركز قاعدةٌ عسكرية أميركية هناك.

مصدر سياسي مقرّب من قوات التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، أكّد أنَّ “العكس تماماً هو الصحيح”، مذكّراً بأنّ نظام الأسد يعرف تماماً أنّ قوات التحالف الدولي، بالذات منها العناصرُ المتمركزة في قاعدة التنف العسكرية، كانت أكثرَ من ساهم في محاربة تنظيم “داعش” في المنطقة، وتحديداً في الصحراء الشاسعة في الحدود الفاصلة بين سوريا والعراق.

وقال المصدرُ السياسي في حديث لـ”النهار العربي” إنّ حوادث البادية السورية تُشير إلى تنامي قدرات التنظيم العسكرية بعدَ هزيمتِها في منطقة شرق الفرات منذ قرابةِ العامين، في الوقت الذي تُثبتْ القدراتُ العسكرية والأمنية لقوات الأسد تراجعَها في مختلف المناطق، بما في ذلك الأقاليم التي تسيطر عليها سيطرةً مطلقة، مثل محافظة درعا التي تتحوّلُ بالتقادم إلى تحدٍ رئيسي متنامٍ لنظام الأسد.

متابعون آخرون للمشهد السياسي الأمني السوري تساءلوا عن المساعي غيرِ المعلنة لنظام الأسد الى خَلقِ مساحة تواصل وتعاون مع الولايات المتحدة في ملفِّ محاربة الإرهاب، وتشكّل منطقة البادية منطقةً مثالية لذلك, فتلك المنطقة الشاسعة قد تتحوّل بالتقادم بؤرة ساخنة لنشاطات التنظيم وسعيه الى تشييد نقاطِ ارتكاز رئيسية له في تلك المنطقة، والانطلاق منها إلى باقي المناطق، بما في ذلك التي تحظى بسيطرة وتأمين من قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب شرقَ الفرات.

التعاون الأمني والعسكري بين نظام الأسد والولايات المتحدة في ملفِّ محاربة الإرهاب في منطقة البادية السورية، قد يشكّل بوابةً لنيل النظام الاعترافَ من الولايات المتحدة، وهو يسعى الى الحصول على ذلك منذ فترة طويلة.

لم تظهرْ أيُّ إشارات من الولايات المتحدة في ذلك الاتجاه، لكنَّ مصدراً مُقرباً من ميليشيا “قسد” أكّد للصحيفة أنَّ الولايات المُتحدة، فيما لو فعلتْ ذلك، فإنّها ستتعامل مع قوات المعارضة السورية التي تُدربها في قاعدة التنف الحدودية، وليس مع قوات الأسد، وهو ما قد يشكّل تحدّياً مضاعفاً لنظام الأسد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى