من ساحاتِ المعاركِ في سوريا إلى مستشفى في شيكاغو

الدكتور “زاهر سحلول” كان هنا من قبل، لقد عمل في المستشفيات حيث يموت الطاقم الطبي لأنّهم ليسوا محميين، حيث تكون الأجنحة مثقلةً بالمرضى الحرجة، بحيث تملأ الممرات بالأسرّة، وحيث يتعيّن على الأطباء اتخاذ قرارات بشأن من يعيش ومن يموت لأنّه لا يمكن إنقاذ الجميع.

شاهده كله خلال مهماته الإنسانية العديدة في وطنه سوريا طوال فترة الحرب الأهلية المدمّرة التي دامت تسع سنوات في البلاد، ولكن الآن يمرّ كلُّ شيء مرّة أخرى في مسقط رأسه في شيكاغو على الخطوط الأمامية لمحاربة فيروس كورونا.، يقول السوري الأمريكي الذي يعمل كأخصائي رعاية حرجة في مستشفيين في شيكاغو: “لم أتخيّل أبدًا أنّنا سنواجه في الولايات المتحدة ما نواجهه في سوريا، إنّها سخرية، هذه أشياء كنا نصيح بها منذ سنوات هناك، ونراها الآن في المنزل”.

كثيراً ما تُوصف سوريا بأنّها أخطر مكان في العالم بالنسبة للأطباء، أدّى القصفُ المتعمّد للمستشفيات من قِبَلِ قوات النظام وروسيا إلى تدمير نظام الرعاية صحية المتهالك بالفعل بعدَ سنوات من الحرب، في الأسابيع القليلة الماضية حيث طافت المستشفيات في جميع أنحاء الولايات المتحدة بسبب فايروس كورونا، قارن بعض الأطباء والممرضات في الخطوط الأمامية الأجنحة التي يعملون فيها بمنطقة حرب، إنّها مقارنة يتفق معها الدكتور “سحلول”، الذي رأى كليهما.

“إنّها تبدو كمنطقة حرب، هناك العديد من أوجه الشبه بين سوريا وما يجري في الولايات المتحدة “، يسرد النقص في الإمدادات الطبية، ومعدّات الحماية الشخصية وأجهزة التهوية، وصعوبة توفير الموارد، على سبيل المثال لا الحصر، واليوم يستخدم الدكتور “سحلول” البالغ من العمر 55 عامًا خبرتَه في العمل في مناطق النزاع في سوريا لمساعدة مدينة شيكاغو على مكافحة وبائها المتفاقم بصفته أخصائيًا في الرئة والرعاية الحرِجة، فإنّه يشارك بشكلٍ وثيقٍ في تشكيل استجابة المستشفى للوباء، تمتلئ الأجنحة هناك بسرعة مع مرضى الفيروس – حوالي 80 في المائة من حالات دخول غرفة الطوارئ هم ضحايا Covid-19.

وقد أجبر هذا التدفقُ المستشفياتِ على التكيّف، تركّز الكثير من العمل الذي قام به الدكتور “سحلول” في سوريا – كرئيس لمنظمة MedGlobal، وهي منظمة ترسل فرقاً طبية إلى مناطق الكوارث – على مساعدة أطباء الخط الأمامي ومرافق الرعاية الصحية على مواصلة العمل في أوقات الأزمات، وشمل ذلك تدريب الأطباء على كيفية التعامل مع الإمدادات والمعدّات المحدودة.

وقال الدكتور “سحلول”: “في بعض المناطق في سوريا كنا تحت الحصار ولم يكن لدينا ما يكفي من الموارد، قد يكون لديهم جهازان للتهوية لتدفّق 20 مريضًا يحتاجون إلى الرعاية، لذا نسأل كيف تدير ذلك؟ كيف تتكيف؟ كيف تتحفظ؟ كيف تعيد استخدامها؟ كيف تعيد تخصيص مواردك؟”، وعلى سبيل المثال كيف تحافظ على الأوكسجين وغسيل الكلى؟ بدلاً من إجراء غسيل الكلى لمرضاك ثلاث مرات في الأسبوع، تقوم بذلك مرة واحدة في الأسبوع، لذلك نحن نفعل الشيء نفسه الآن في المستشفى، يمكن أنْ تؤثّر هذه القرارات حول كيفية قيام المنشأة بتغيير الطريقة التي تعمل بها في وقت الأزمات في بعض الأحيان اتخاذ خيارات صعبة للغاية.

“ستطرح هذه الأسئلة الأخلاقية كثيرًا في سوريا، حيث سيكون لديك تدفق العديد من المرضى وسيكون عليك أنْ تقرّرَ كيفية توجيه مواردك، لذا قد يكون لديك شخصٌ يمكنه في وقت السلم أنْ يخضع للجراحة ويقضي وقتًا في توفيرها، ولكنْ في وقت الأزمات لا يمكنك تحمّلُ ذلك، وقد تتركه يذهب، وهذا ما نكافح معه الآن هنا في الولايات المتحدة وشيكاغو، نحن نقررُ أيُّ مريضٍ ربما لا يجب وضعه على أجهزة التنفس الصناعي لأنّه ليس لدينا عدد غير محدود”.

يوم الاثنين سجلت الولايات المتحدة علامة فارقة حيث تجاوز عدد القتلى من تفشّي الفيروس التاجي 10000 شخص، أصيب المئات من المهنيين الطبيين بمرض الفيروس أثناء علاج المرضى – مات ثلاثة على الأقل في نيويورك وحدها، مرّة أخرى هناك أوجه تشابه مع سوريا – إنْ لم يكن في الحجم في التفاصيل، وقد تسبّب نقص المعدّات الواقية للأطباء الذين يعالجون ضحايا الهجمات بالأسلحة الكيميائية هناك في المرض وفي بعض الحالات الموت، “أتذكر طبيباً كان جرّاحاً وكان مستشفاه داخل الكهف للحماية ولكن أصيب بقنبلة الكلور، استمر في العمل على هذا المريض وبحلول الوقت الذي نقلوه فيه إلى أقرب مستشفى به جهاز تهوية، مات، لقد أصيب بسكتة قلبية”، “نحن نكافح الآن لتوفير الحماية للأطباء هنا”.

ثم هناك المخاطر الخفية للأطباء الذين يعالجون مرضى فيروس كورونا، إنّ إدارة التأثير النفسي على الطاقم الطبي أثناء عملهم خلال أزمة طويلة هو أمر واجهه الأطباء في سوريا لعدّة سنوات، تطول فترات العمل في بيئة خطرة بالإضافة إلى أثر فقدان زملاء العمل، “ما رأيناه خلال الأزمة السورية والكوارث الأخرى التي يتأثر بها أخصائيو الرعاية الصحية مثل المرضى، إذا لم تعطِهم الأدوات ليكونوا أكثرَ مرونةً كلَّ يوم، عندما يرون العديد من المرضى الذين يموتون أو يعانون من مرض شديد ويكافحون من أجل اتخاذ قرارات صعبة، فإنّ ذلك سيؤثر على صحتهم العقلية”.

كانت متلازمة الإرهاق شيئًا حقيقيًا داخل مجتمع الرعاية الحرِجة قبل هذه الأزمة، لذلك نحن نقدّم أدوات للأطباء والممرضات لمساعدتِهم على التعامل مع الموقف ومنعِ العواقب على المدى الطويل، في حين أن هناك أوجه تشابه بين العمل الجاري على الخطوط الأمامية لفيروس كورونا والأطباء في سوريا، إلا أنّ هناك العديد من الاختلافات.

قُتل أكثر من 900 مهني طبي طوال فترة الحرب في سوريا، ولا تزال الحكومتان الروسية والسورية تستهدفان المستشفيات، “سحلول” يصف سوريا بأنّها “أسوأ أزمة إنسانية في حياتنا”، مما يجعل المقارنات صعبة، ولكنّه يضيف: “تبقى الكارثة كارثة”.

ومع ذلك فإنّ جائحة فيروس كورونا وصلت إلى حياة الدكتور “سحلول” بطريقة ربّما لم تصل إليها الأزمة السورية، مثل العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية على الخطوط الأمامية للوباء، كان عليه أن ينأى بنفسه عن عائلته في المنزل، في كلّ مرّة يدخل إلى غرفة الطوارئ في مستشفى شيكاغو، يواجه نوعًا مختلفًا من الخطر عما واجهه في شمال سوريا.

يقول: “عائلتي في سوريا تقلق عليّ أكثر الآن، أمي وأبي ما زالا يعيشان في سوريا ويتصلان بي كلّ يوم، يقولون “هل أنت آمن؟ أرجوك اعتنِ بنفسك”، لأنّهم يسمعون الأخبار وعدد الحالات في الولايات المتحدة، ويعرفون أنّني في الخطوط الأمامية لعلاج هذا المرض، وهو نفس الشيء مع عائلتي هنا، أعني يمكنني أنْ أخبرك أنّ عائلتي هنا قلقة أكثر على صحتي مما كنت عليه عندما كنت أذهب إلى سوريا، لا أعرف ماذا، ربما تكون وسائل الإعلام التي تنقل أخبار الفيروس هي السبب بينما قامت نفس وسائل الإعلام هذه بتجاهل الأزمة في سوريا”.

ومع ذلك حتى عندما يعالج المرضى في شيكاغو، يريد الدكتور “سحلول” أنْ يفكرَ الناس في تلك الأماكن البائسة واليائسة التي لم تواجه بعد القوة الكاملة للفايروس وستفعل ذلك بموارد أقل بكثير من الولايات المتحدة، “كما تعلم يحتوي مستشفي في شيكاغو على عددٍ أكبر من أجهزة التهوية من تلك الموجودة في محافظة إدلب في سوريا وقطاع غزة مجتمعة، إذا انتشر الفيروس في هذه المناطق، فسيكون أبعدَ من الكارثة، من الصعب للغاية تطبيقُ مفهومَ التباعد الاجتماعي في مخيمات النزوح و اللاجئين حيث يوجد 15 شخصًا في خيمة واحدة، والناس لا يحصلون على المياه النظيفة والصابون لغسل أيديهم بشكلٍ متكرِّر”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى