هيومن رايتس ووتش توثّقُ مجزرةَ أريحا

قالت منظّمة “هيومن رايتس ووتش” اليوم الثلاثاء، إنَّ التحالف العسكري السوري الروسي أطلق قرابةَ 14 قذيفةً مدفعية من العيار الثقيل على بلدة أريحا بمحافظة إدلب في 20 من شهرِ تشرين الأول 2021، ما تسبّب في مقتل 12 مدنيّاً وإصابة 24، مؤكّدة أنَّ الغياب الواضح للأهداف العسكرية في المناطق التي قصفت، وسطَ المنازل والمتاجر والمدارس والأسواق، يشيرُ إلى هجوم عشوائي.

وقالت “بلقيس والي”، باحثة أولى في قسم الأزمات والنزاعات في هيومن رايتس ووتش: “يبدو أنَّ سوريا وروسيا انتهكتا قوانين الحرب ما تسبّب في عواقب قاتلة على المدنيين هناك. أطفالُ إدلب هم من جديدٍ ضحايا أعمال عسكرية وحشية وغيرِ قانونية”.

ووفقَ المنظمة، بدأ الهجومُ على أريحا، التي يقطنها حوالي 30 ألفَ شخصٍ، بعد دقائق من انفجار عبوتين ناسفتين مرتجلتين في دمشق الساعة 6:45 صباحاً استهدفتا حافلةً عسكرية وقتلتا 14 شخصاً. أعلنت “سرايا قاسيون”، مجموعة مسلّحةً في منطقة دمشق، مسؤوليتها عن الهجوم بعدَ عدّةٍ ساعات.

وقابلت “هيومن رايتس ووتش”، عن بُعدٍ، ثمانيةِ أشخاص شهدوا هجوم أريحا، منهم أحدُ الجرحى، وثلاثة أُصيبُ أو قُتلُ أفراد أسرِهم في الهجوم، وعامل إنقاذ، وعامل رعاية صحية عالج الضحايا، وحلّلت أيضاً 52 مقطعَ فيديو و64 صورة اُلتقطت أثناء الهجمات وبعدَها مباشرة ونُشرت على منصّات التواصل الاجتماعي أو قُدّمت مباشرةً إليها، و قدّمت “رايتس ووتش”، أيضاً ملخّصاً لنتائجها وأسئلة حول الهجوم إلى الحكومتين السورية والروسية لكنها لم تتلقَ ردّاً.

ووثقت هيومن رايتس ووتش خمسة مواقع ارتطام في وسطِ المدينة في منطقة بمساحة 0.77 كيلومتر مربع، بناءً على مقاطع الفيديو والصور التي راجعتها، سقطتْ هذه القذائف قربَ مدارس وأسواق ومسلخ دجاج وألحقت أضراراً بمبنيين، وقال شهود إنَّ القذائف سقطت قرب عيادة صحيّة، ووثّقت هيومن رايتس ووتش 14 تفجيراً في البلدة، معظمٌها في غضون دقائق قليلة من بعضها.

وقعت الهجماتُ عندما كان الأطفال في طريقهم إلى مدارسهم. قال موظفٌ محليٌٌ بوزارة التربية إنَّ القذائف سقطت قربَ سبع مدارس تخدم مجتمعةً حوالي 3,800 طفلٍ. يوجد في أريحا حالياً 21 مدرسةً فيها قرابة 260 موظفاً و6,600 طالبٍ.

قال الموظف في وزارة التربية إنَّ من بين القتلى في الهجوم المعلمة قمر الحافظ (28 عاماً)، التي توفيت قربَ مدرسة “عبد الحميد الغانمي للبنات” (المعروفة أيضاً باسم مدرسة “بنات أريحا”)، حيث كانت تُدِّرس، كان ثلاثة من الأطفال القتلى وأحد الجرحى في طريقهم إلى المدرسة وقتَ الهجوم.

أصابت قذائف المدفعية أيضاً سوقَ الخضار والسوق الرئيسي في البلدة الذي كانت تدعمُه “الأمم المتحدة” وألحقتْ أضراراً بنحو خمسة أكشاك في السوق وأجزاء من مبنى متعدّدِ الطوابق وطابق علوي في آخر.

قال الشهود السبعة الذين تمّتْ مقابلتهم جميعاً إنَّهم لم يكونوا على علمٍ بأيِّ أهدافٍ عسكرية في محيط المواقع الستة وقتَ الهجمات. لم تُظهر مقاطعُ الفيديو والصور الخاصة بالمواقع الخمسة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش أيّ أفراد أو معدّات عسكرية.

يتوافق الهجومُ في أريحا – وفقَ المنظمة – مع نمطٍ من الهجمات السورية والروسية غيرِ القانونية التي تقتل مدنيين، وفي شهر أيلول، وثّقت هيومن رايتس ووتش 46 هجوماً جويّاً وبريّاً في الـ11 شهراً التي سبقت وقفَ إطلاقِ النار، بما في ذلك استخدام ذخائر عنقودية، تسبّبت في مقتلِ 224 مدنيّاً على الأقل وجرحِ 561؛ ووجدت، بناءً على المقابلات والتحليلات لصورِ الأقمار الصناعية والصور ومقاطع الفيديو، أنَّ هجمات القوات المسلّحة السورية والروسية المتكرّرة على البنية التحتيّة المدنيّة في إدلب كانت جرائم حربٍ واضحة وقد ترقى إلى جرائمَ ضدَّ الإنسانية. وقعت ثلاث من أصل 46 اعتداءً في أريحا.

قالت “هيومن رايتس ووتش”، إنَّ إنهاءَ وقفِ إطلاق النار واستئنافِ القتال سيعرّض المدنيين للمزيد من الهجمات غيرِ القانونية، مما قد يؤدّي إلى عمليات نزوح جماعي إضافية مع عواقبَ إنسانيّة وخيمة. قد يحاول النازحون عبورَ الحدود الشمالية لسوريا، حيث سبق للقوات التركية وأن صدّت الفارّين من النزاع وأطلقت النارَ عليهم وأعادتهم قسراً في انتهاك للقانون الدولي.

ويُلزم القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، جميعَ الأطراف المتحاربة بتوجيه هجماتِها على أهداف عسكرية وتجنّبِ إلحاقِ الأذى بالمدنيين أو الأعيان المدنيّة، كما أنَّ الهجمات التي لا يوجد فيها هدفٌ عسكري واضح، أو العشوائية، أو التي تسبّب ضرراً للمدنيين غيرَ متناسب مع المكسب العسكري المتوقع، غير قانونية.

وشدّدت المنظّمة على ضرورة تجنّب استخدام الأسلحة المتفجرة ذاتِ الآثار واسعة النطاق، مثل الذخائر ذات نصفِ قطر التدمير الكبير وتلك غير الدقيقة بطبيعتها، في المناطق المأهولة بالسكان، نظراً لأنَّ آثارها المتوقعة تتجاوز الأهداف المحدّدةَ لها. تندرج ضمن هذه الفئة الطريقة التي استخدمت بها قذائف المدفعية الـ14 في هجوم أريحا الأخير، حيث أصابت المحلاتِ والمنازلَ والمدارس.

وثّقت هيومن رايتس ووتش وآخرون مراراً استخدام الأسلحة المتفجّرة ذات الآثار الواسعة في المناطق المأهولة بالسكان وآثارها المدمّرة على المدنيين والبنيّة التحتية المدنيّة، بما في ذلك عبرَ التسبّب في وفياتِ وإصاباتِ، والإضرار وتدمير المدارس والمستشفيات، والتأثير على الحصول على سبل العيش.

وطالبت الأطرافُ المتحاربة بالامتناع عن استخدام الأسلحة المتفجّرة ذات الآثار الواسعة في المناطق المأهولة بالسكان بسبب الضررِ العشوائي المتوقّع اللاحق بالمدنيين، كما يجب على الدول دعمُ إعلان سياسي قوي يعالج الضررَ الذي تسبّبه الأسلحة المتفجرة للمدنيين والالتزام بتجنّب استخدام تلك التي لها آثارٌ واسعة النطاق في المناطق المأهولة بالسكان.

وقالت إنَّه بالنظر إلى الجمود الحالي داخلَ مجلس الأمن، ينبغي على الحكومات الفردية والكتل الإقليمية، كحلٍّ مؤقّت، فرضُ عقوبات تستهدف القادة المدنيين والعسكريين المتورّطين بشكل موثوق في جرائم الحرب، أو الجرائم ضدَّ الإنسانية، أو الانتهاكات الجسيمة الأخرى الجارية، بما في ذلك القادة الروس.

وعلى الحكومات المعنية ضمانُ قدرة سلطات العدالة الجنائية لديها على التحقيق في القضايا الجنائية ومقاضاةُ مرتكبيها بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية ضدَّ القادة والمسؤولين المتورّطين في جرائم الحرب، بما في ذلك على أساسِ مسؤولية القيادة.

قالت والي: “يتعيّنُ على جميع الأطراف مضاعفةُ الجهود لحماية المدنيين في النزاع السوري المستمرّ منذ 10 سنوات. على الحكومات الأخرى استخدامُ نفوذها والأدوات القانونية والاقتصادية والسياسية المتاحة لها للدفاع عن المدنيين في إدلب وتجنّب حدوث أزمة إنسانيّة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى