كارثةُ الفيروساتِ في طريقِها إلى سوريا التي مزّقتْها الحربٌ

بينما تكافح أوروبا والولاياتُ المتحدة لاحتواء جائحة فيروس كورونا، يحذّر الخبراء من أنّ الكارثة تلوح في سوريا التي مزّقتها الحرب، حيث المستشفيات غيرُ قادرة على تلبية الاحتياجات الحالية وظروفُ النظافة سيّئةٌ للغاية.

أصاب المرض أكثر من 1.8 مليون شخصٍ وقتلَ أكثرَ من 115000 حول العالم منذ ظهوره في الصين في ديسمبر من العام الماضي، في سوريا أغلقت حكومة دمشق الحدودَ وحظرت التنقّل بين المحافظات وأغلقت المدارس والمطاعم في محاولة لوقفِ انتشار الفيروس.

الأرقام الرسمية منخفضة مع وفاة شخصين و25 حالة مؤكّدة، ولكن يتمُّ اختبارُ 100 مريضٍ فقط يومياً، ويتمُّ إجراءُ نصف الاختبارات في العاصمة دمشق، وبينما استعاد النظام سيطرته على جزء كبير من البلاد بعدَ ما يقرب من عقد من الحرب، فلا يزال المعارضون المؤيّدون لأنقرة والأكراد يسيطرون على بعض المناطق، ويتهم الخبراء دمشق بإخفاء عددِ القتلى لأسباب سياسية.

وقال “زكي محتشي” زميل استشاري كبير في تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث مقره لندن، “يعتقد الطاقم الطبي أنّ هناك الكثير من الناس يموتون في سوريا بسبب أعراض الفيروس”، وأضاف “لكنّ الأجهزة الأمنية تطلب منهم أو تأمرُهم بعدم ذكر ذلك خاصة لوسائل الإعلام”.

دقّت منظماتُ الإغاثة ناقوس الخطر بشأن العواقب المدمّرة المحتملة لتفشّي حاد في سوريا، حيث ضربت تسع سنوات من الحرب المستشفيات وتركتها غيرَ مجهّزة للتعامل مع الوباء، وقال “إميل حكيم”، محلّل شؤون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، “هناك كارثة قادمة”.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، كان أقلُّ من ثلثي المستشفيات يعمل في نهاية عام 2019، وفرّ 70٪ من العاملين في مجال الرعاية الصحية منذ بداية الحرب في عام 2011، وحذّرت اللجنةُ الدولية للصليب الأحمر من أنّه من المستحيل تحقيقُ التباعدِ الاجتماعي في مخيمات النازحين في إدلب، المحافظة الأخيرة التي يسيطر عليها الثوار، والتي كانت تعاني بالفعل أزمةً إنسانية قبل بدء الوباء.

وقال “ميستي بوسويل” من لجنة الإنقاذ الدولية التابعة لمجموعة الإغاثة “نقصُ الغذاء والمياه النظيفة والتعرضُ للطقس البارد تركَ بالفعل مئاتِ الآلاف من الناس في حالة صحية سيئة، مما يجعلهم أكثرَ عرضةً للخطر”، مضيفاً بأنّ “الدمار في إدلب يمكن أنْ يكونَ لا يمكنُ تصوّرُه”، وقالت هيئة الإنقاذ الدولية إنّ جميع أسّرة العناية المركزة البالغ عددها 105 أسرّةٍ و30 جهازَ تنفّسٍ في إدلبَ تقريباً هي قيدُ الاستخدام بالفعل.

وقالت منظمة الصحة العالمية إنّ الاختبار سيبدأ في إدلب في نهاية آذار، ولكن لا يتوقع سوى القليل من المساعدة من دمشق، بحسب مازن غريبة الباحث المساعد في كلية لندن للاقتصاد، والذي قال: “لا يمكن للمرء أنْ يفترضَ ببساطة أنّ النظام – الذي كان يستهدف المستشفيات بشكلٍ منهجي قبل ثلاثة أسابيع – سيزوّد نفسَ المستشفيات بالمعدّات الطبية الأسبوعَ المقبلَ”.

وكان قد اتّهم النشطاء مراراً النظامَ باستهداف المستشفيات في المناطق التي يسيطر عليها الثوار، وهي تهمة نفتْها دمشق، وقد تمّ حتى الآن وقفُ إطلاق النار الذي تمّ الاتفاقُ عليه في بداية شهر مارس للمنطقة الشمالية الغربية بين وسطاء القوة الأجانب الرئيسيين في الحرب السورية روسيا وتركيا.

ولكن وفقاً للهيئة “من المحتمل أنْ يتمَّ استغلالُ الفراغ الأمني والسياسي الذي سيحدثه الوباءُ من قِبَلِ الجهات الفاعلة المشاركة في الصراع السوري لخدمة مصالحهم”، وبالنسبة للخبير السوري “فابريس بلانش”، الأستاذ المساعد ومدير الأبحاث في جامعة ليون 2 “هذا الوباء هو وسيلةٌ لدمشق لإظهار أنّ الدولة السورية فعّالة ويجب إعادة جميع الأراضي تحت حكمِها”.

ولكن “مازن غريبة” قال: إنّ “تسييس الوباء من قِبَلِ النظام كارثي”، متّهماً النظام بـ “استخدام الوباء الحالي لتحقيق مكاسبَ سياسية خاصة به عن طريق المقامرة بحياة الملايين من الناس”، ويقول الخبراء إنّ هناك خطراً من أنْ يؤدّيَ الوباءُ إلى انخفاض المساعدة الإنسانية حيث تركّز البلدانُ المانحة على إنعاش اقتصادها.

وقال “حكيم”: إنّ “مع تركيز الاهتمام والموارد في الداخل على الانتعاش، سيكون من الصعب للغاية تقديم قضية سياسية لاستمرار العمليات الإنسانية في الخارج”، وحذّرت منظماتُ الإغاثة من قطع المساعدات في وقتٍ تكون فيه الاحتياجاتُ حرجةً، وقال “ديفيد ميليباند” رئيس لجنة الإنقاذ الدولية: “إذا فشلنا، فلن يدفعَ الناس أضاعفاً اليوم ثمنَ تقاعس المجتمع الدولي، بل ستكون العواقب محسوسة في جميع أنحاء العالم لسنوات، إنْ لم يكنْ لعقود قادمةٍ”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى