“هذا ما ينتظرُ السوريينَ بعدَ الحربِ”: صراعٌ مع الفقرِ وفيروس كورونا بذاتِ الوقتِ
انهيارُ الاقتصادِ يترك البلادَ غيرَ قادرةٍ على التعامل مع احتمال تفشّي المرض، لقد تحمّل “كريم زوكاري” الكثير خلال السنوات التسع من حرب سوريا، كانت هناك صواريخ ورصاص وأحباء قتلوا وخوفٌ من تجنيدهم في الجيش أو تعذيبِهم في سجون بشار الأسد، ولكنْ بغضّ النظر عن مدى سوء الأمور كان هناك دائماً طعامٌ.
قال الشاب البالغ من العمر 25 عاماً من حي برزة بدمشق: “هناك الآن فقرٌ شديد، هناك عائلات تعيش على 200 دولار شهرياً، ولكنّني لا أسمي تلك معيشة، بالكاد تمكّنت من تناول الطعام، والآن مع فيروس كورونا يستفيد بعض رجال الأعمال من الذعر ويرفعون الأسعار”، كما طالب بعدم استخدام اسمه الحقيقي خوفاً من تداعيات هذا الأمر.
مع عودة الأسد للسيطرة على معظم سوريا، يجب على النظام أنْ يركّز على التحدّي المتمثّل في إعادة بناء بلد قصفَه بدلاً من ذلك يحاول طردَ قوات الثوار، ولكن منذ كانون الثاني (يناير) تراجعت قيمة الليرة السورية التي تمّ تداولُها في العام الماضي عند 500 ليرة سورية مقابل الدولار إلى الهاوية، ووصلت إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 1،360 ليرة سورية للدولار في السوق السوداء في أواخر آذار، ونتيجة لذلك ارتفع التضخّمُ وتكلفة السلع الأساسية حتى الخبز المدعوم غير متوفر في بعض الأحيان حيث نفذتْ دمشق من الدقيق والقمح، وتعتمد على حلفائها الروس في شحنات الإغاثة.
وفقًا لتقرير للأمم المتحدة لعام 2019 كان 83 ٪ من الناس في كلٍّ من مناطق النظام والمعارضة في البلاد يعيشون بالفعل في فقرٍ، انهيارُ ما تبقى من الاقتصاد السوري يعني أنّ توقيت أزمة فايروس كوفيد 19 لن يكون أسوأ.
وبينما فرض النظام حظرَ التجول وإجراءات الإغلاق لإبطاء انتشار الفيروس، فإنّ مئات الأشخاص يتجمّعون كلَّ يوم ساعاتٍ لانتظار الخبز في نقاط التوزيع، في بعض الحالات اندلعت اشتباكاتٌ بالأيدي أو سرقَ الناس من شاحنات الطعام في محاولة يائسة لإطعام أسَرِهم، ولا يزال الطعام والصابون والمطهّرات على الرفوف، ولكنّ التلاعب بالأسعار غالباً من قِبَلِ المستفيدين الذين تربطهم صلاتٌ بالنظام، يعني أنّ الإمدادات الأساسية هي الآن في متناول اليد تماماً: فقد ارتفعت الخضروات والبيض بنسبة تتراوح بين 40 و 75٪ وفقاً لوسائل الإعلام المحلية، يتمُّ بيعُ الخبز الحكومي الذي من المفترض أنّ تكلفةَ الربطةِ 50 ليرة سورية في السوق السوداء بما يصل إلى 10 أضعاف.
إنّ الأزمة المالية في لبنان المجاورة وهي سوق الدولار الرئيسي للمستوردين السوريين منذ فترة طويلة هي المحرِّك الرئيسي لعدم الاستقرار الاقتصادي الجديد في سوريا، إلى جانب التغييرات في كيفية استيراد الطاقة من إيران وتجفيف التمويل الأجنبي للمعارضة، والذي كان الكثيرُ منه يتسرّب إلى مناطق النظام.
ربما يكون الأسد قد ربحَ الحربَ ولكنّ الحفاظ على السيطرة في مثل هذه البيئة الاقتصادية المتوتّرة هي معركةٌ جديدة صعبة أثارت الزياداتُ في أسعار المواد الغذائية والوقود والنقل احتجاجات ضدّ الحكومة في أماكن مثل السويداء، وهي مدينة في الجنوب الغربي يسكنها في الغالب أعضاء من الأقلية الدرزية التي ظلّت موالية للحكومة طوال الحرب.
وتسعى دمشق لاستغلال أزمة فيروس كوفيد 19 بمطالبات متجدّدة لإنهاء العقوبات الدولية التي تقول إنّها ستخفّف من الأزمات الصحية والاقتصادية، في حين أنّ نظام الرعاية الصحية السوري المتهالك لا يمكنه التعاملُ مع تفشٍ كبيرٍ، فمن غيرِ المرجّح أنْ يصلَ التخفيفُ من العقوبات – التي لا تستهدف القطاع الطبي – إلى المدنيين السوريين، “حتى لو تمّ رفعُ العقوبات سيبقى النظام متهالكاً، في وقت المنافسة العالمية على إمدادات محدودة من معدّات الحماية وأجهزة التهوية والاختبار.
وقالت “إليزابيث تسوركوف”، زميلة في معهد أبحاث السياسة الخارجية وهي شركة فكرية أمريكية في حين أنّ الولايات المتحدة تكافح لتأمين الإمدادات، كيف ستكون سوريا قادرةً على القيام بذلك؟”، لقد اعتاد الناس الذين يعيشون في مناطق النظام بالفعل على شراء أو دعم المعدات الطبية الأساسية مثل الإبر وأجهزة التهوية والأدوية: وفقاً لمنظمة الصحة العالمية منذ اندلاع الحرب فإنّ حوالي نصف المرافق الطبية السورية تعمل بكاملِ طاقتها.
والوضع في الشمال الغربي الذي يسيطر عليه الثوار والشمال الشرقي الذي يسيطر عليه الأكراد حيث يعيش آلاف الأشخاص في مخيمات النزوح يبدو الوضعُ أكثرَ حرجاً، ولا يوجد في سوريا التي يسيطر عليها النظام سوى 19 حالة مؤكّدة من فيروس Covid-19 حتى الآن، ولكن الاختبارات شبه معدومةٍ مما يدفع الكثيرين إلى الخوف من أنّ الواقع أسوأ بكثير.
“إنّ الوضع مع فيروس كورونا غيرُ واضحٍ حقًا”، قال “زوكاري”: “لا أحدٌ يعرف ما يجري والناس خائفون، أنا لا أعرف ماذا أصدق، أعتقد أنّهم يخفون ذلك، حتى بعدَ الحرب كلّها لدينا الآن”.